نوبة القلق - ماهيتها، الفرق بينها وبين نوبة

نوبة القلق - ماهيتها، الفرق بينها وبين نوبة
(اخر تعديل 2023-09-22 03:39:28 )

تخيّل الآتي: أنت مع أصدقائك في مطعم، وبصدد الضحك على نكتة قالها أحدهم للتو. وفجأة، شعرت بتدفق الدم إلى أذنيك، وبتسارع معدّل ضربات قلبك. يداك متعرّقتان، وتجد نفسك تتساءل عمّا إذا كنت تعاني من نوبة قلبيّة وهل يجب إخبار الجميع وطلب المساعدة. يسيطر عليك الخوف الشديد، وتشعر بالحاجة إلى المغادرة للهروب من الموقف. ثم تنهض دون تقديم أعذار وتتجه مباشرة نحو المخرج، غير مبال بنداء أصدقائك أو احتجاجهم. هكذا تؤثر نوبة القلق على الأشخاص.

نوبة القلق هي نوبة مفاجئة وكاسحة من الخوف أو القلق الشديد، وهي أمر شائع يمكن أن يحدث لأي كان، بغض النظر عن عمره أو جنسه أو الظروف التي يعيش فيها.

لو تطلب منهم وصفها، سيقول لك العديد من الأشخاص الذين عانوا من نوبات القلق أنها تسبب لهم شعورًا بأنهم مغمورون بالقلق أو بالتهديد أو الهلاك الوشيك، الأمر الذي قد يكون مُربكًا ومزعجًا للغاية. أثناء التعرّض إلى نوبة قلق، تثور استجابة الجسم الغريزية للخطر، مما يؤدي إلى أعراض جسدية مختلفة مثل تسارع دقات القلب وارتجاف الأطراف والتعرق المفرط.

وبإمكان هذه النوبة أن تحدث بشكل غير متوقع ويمكن أن تكون مؤلمة للغاية، لكنها بشكل عام محدودة بالوقت ولا تُسبّب أذى جسدي. لكن إذا استمرّ الشخص بالتعرّض إليها بشكل متكرّر أو لا يُحتمل، فمن الضروري طلب الدعم من أخصّائي رعاية صحّية.

ما الفرق بين نوبة القلق ونوبة الهلع؟

غالبًا ما يتم استخدام مصطلحي "نوبة القلق" و "نوبة الهلع" دون تفرقة بينهما، وفي الحقيقة، لا يوجد فرق كبير بينهما من الناحية السريرية. حيث يصف كلّ من مصطلحي نوبة القلق ونوبة الهلع نوبات من القلق أو الخوف الشديد. بالرغم من ذلك، دعنا نستكشف المعاني وراء كل مصطلح بشكل عام:

  • نوبة القلق: تشير نوبة الهلع إلى إحساس مفاجئ وساحق من الخوف أو القلق، وعادة ما يكون مصحوبًا بأعراض جسديّة شديدة التأثير. غالبًا ما تشتمل هذه الأعراض على تسارع دقات القلب، والضيق في التنفس، والرجفة، والتعرّق الشديد، والإحساس بألم في الصدر أو انزعاج في البطن (أو كليهما). يمكن أن تحدث نوبات القلق بشكل غير متوقع، وقد تستمرّ من بضع دقائق إلى حوالي ساعة في حالات قصوى. وتعتبر نوبة القلق بشكل عام من أعراض اضطراب القلق.

  • نوبة الهلع: نجد أنّ مصطلح "نوبة الهلع" أقلّ استخدامًا في البيئات السريرية، إلّا أنه أكثر تعبيرًا عن احالة بالعامية. يمكن استعمال المصطلح للإشارة إلى موقف يعاني فيه شخص ما من نوبة خوف مفاجئة وشديدة دون تحديد ما إذا كانت تفي بمعايير نوبة الهلع السريرية أو ما إذا كانت مرتبطة باضطراب القلق. باختصار، نوبة الهلع هي تجلّ للقلق، دون أن يكون لها علاقة مباشرة باضطراب القلق.

من حيث الجوهر، في حين أن مصطلح نوبة القلق هو ذو سياق سريري واضح ومحدّد ويمكن وصفه بمجموعة من الأعراض، فإن "نوبة الهلع" هو مصطلح أقلّ تحديدًا ويمكن استخدامه على نطاق أوسع لوصف أي نوبة شديدة من الخوف أو القلق، بغض النظر عن تصنيفها السريري.

يمكن أن تحدث نوبات القلق العرضية لأيّ كان، على الرغم من أنها تحدث بشكل متكرّر لبعض الأشخاص، وتسبّب لهم ضائقة كبيرة.

على عكس القلق، والذي غالبًا ما تكون له أسباب ومحفّزات واضحة، تحدث نوبات الهلع بشكل مفاجئ وغير متوقّع وعادةً ما تستمر فقط لبضع دقائق. وقد أفاد أولئك الذين يعانون من نوبات الهلع بالدوار وألم في الصدر وارتفاع في الحرارة وقشعريرة وانزعاج في المعدة، الأمر الذي يشبه إلى حد كبير أعراض نوبة القلق.

في كلتا الحالتين، من الأهمية بمكان طلب المساعدة المهنية إذا كنت أنت أو أي شخص تعرفه يعاني من نوبات قلق أو هلع متكرّرة أو شديدة. بمقدور مقدم الرعاية الصحية المؤهل أن يقيم الموقف ويقدم الدعم والإرشاد المناسبين.

ما هي أعراض نوبات القلق؟

يمكن أن تختلف أعراض نوبة الهلع من شخص لآخر، ولكنها عادة ما تنطوي على ارتفاع مفاجئ ولا يمكن التحكم فيه في منسوب الخوف أو القلق. وتشمل بعض الأعراض الشائعة ما يلي:

  • سرعة دقّات القلب أو الخفقان: يزداد معدّل ضربات القلب بشكل ملحوظ أثناء نوبة القلق، مما يجعل الشخص يشعر وكأن قلبه ينبض بإفراط أو يرتعش.

  • ضيق في التنفس أو شعور بالاختناق: قد يعاني من يتعرض إلى نوبة قلق من صعوبة في التنفس أو يشعر بأنه غير قادر على التقاط أنفاسه. وغالبًا ما يكون هذا الإحساس مصحوبًا بتنفّس سريع وقصير.

  • ألم أو انزعاج في الصدر: قد يشعر الشخص بضيق أو ضغط أو ألم في الصدر أثناء نوبة القلق. ويمكن أحيانًا الخلط بين هذه الأعراض والنوبة القلبية، مما ينجرّ عنه أحيانًا المزيد من القلق.

  • ارتجاف أو اهتزاز لا إرادي: قد يحدث اهتزاز أو ارتعاش لا يمكن السيطرة عليه في اليدين أو الساقين أو أجزاء أخرى من الجسم بسبب ارتفاع هرمون الأدرينالين المتزايد في الجسد.

  • تعرّق مفرط غير مرتبط بدرجة الحرارة: التعرّق المفرط شائع أثناء نوبات القلق وغالبًا ما يكون غير مرتبط بدرجة الحرارة المحيطة.

  • شعور بالدوار أو الدوخة: قد يشعر بعض الأشخاص بالدوار أو الدوخة أثناء نوبة القلق، مما قد يزيد من شعورهم بالخوف والارتباك.

  • غثيان أو تقلّب في البطن: يمكن أن تؤدي نوبات القلق إلى الشعور بالغثيان أو عدم الراحة في المعدة أو أعراض أخرى في الجهاز الهضمي.

  • إحساس بالخدر أو التنميل في الجسم: قد يعاني الناس من التنميل أو الشعور بوخز في أطرافهم.

  • قشعريرة نتيجة انخفاض حرارة الجسم: قد تتأثر درجة حرارة الجسم، مما يؤدي إلى الإحساس بالبرودة الشديدة.

  • ارتفاع مفاجئ في حرارة الجسم: بالمثل، يمكن أن تظهر نوبة القلق في شكل احترار مفاجئ بدل البرودة لدى بعض الأشخاص.

  • فقدان الصلة بالجسد: قد ينجرّ عن نوبة القلق شعور بفقدان السيطرة والتحكم في الجسم، بشكل يشبه الانفصال التام عنه.

  • أثناء نوبة القلق، قد يعاني بعض الأشخاص أيضًا من رغبة شديدة في الهروب أو العثور على مكان آمن، مما يؤدي إلى سلوكيات مثل الانسحاب أو الفرار دون سبب ظاهر. يمكن أن تصل هذه النوبات إلى ذروتها في غضون بضع دقائق وتستمرّ لفترة قصيرة، عادةً حوالي 5 إلى 20 دقيقة، وتبدو لصاحبها أطول ممّا هي عليه، على الرغم من أن بعض الأعراض قد تستمر لفترة أطول تصل إلى ساعة كاملة أحيانًا.

    وتجدُر ملاحظة أنه قد لا تجتمع هذه الأعراض بالضرورة ليمكننا وصف الحالة بنوبة قلق، لأن لكل شخص استجابة فريدة. ويجب تذكّر أن نوبات القلق لا تُهدّد الحياة وليس لها أثر مباشر على الصحة الجسدية، على الرغم من أنها قد تكون متعبة ومزعجة للغاية وقد تؤدي إلى اضطراب كبير في النفسية وتُعطّل في نسق الحياة اليومية، خاصة إذا حدثت بشكل متكرر أو في مواقف محددة. إذا كنت أنت أو أي شخص تعرفه يعاني من نوبات قلق، فلا تتردد في طلب المساعدة في أقرب وقت.

    كم يستمرّ القلق النفسي؟

    يمكن أن تختلف مدة القلق بشكل كبير اعتمادًا على الفرد والموقف المُحدّد والسبب الرئيسي وراء القلق. يمكن أن يكون القلق استجابة طبيعية ويمكن السيطرة عليها للتوتر، وربما يستمرّ لمدة قصيرة، مثلا أثناء فترة ضغط أو عند المرور بموقف صعب.

    بالنسبة لبعض الأشخاص، قد يكون القلق قصير الأجل وسُرعان ما يتلاشى بمجرد إزالة العامل المسبّب للضغط النفسي أو تحسّن الموقف أو بممارسة قليل من الاسترخاء. أما في حالات أخرى، فقد يستمرّ القلق لفترات أطول، تتراوح من أيام إلى أسابيع أو حتى أشهر، ولو بدرجات متفاوتة.

    هناك أيضًا اضطرابات القلق المزمنة، مثل اضطراب القلق العام، واضطراب القلق الاجتماعي، والتي تنطوي على قلق أكثر استمرارية وتواترًا. ويمكن أن تؤدي هذه الحالات إلى بقاء القلق في معظم الأيام وعلى مدى فترة طويلة، لدرجة أنه قد يتداخل مع الحياة اليومية والأداء للشخص. ومن المهم ذكر أن اضطرابات القلق هي اضطرابات وراثية، مما يعني أنه إذا كان أحد أقربائك يعاني من القلق، فمن المُرجّح أن تشعر به أنت كذلك.

    بطبيعة الحال، من الضروري التفريق بين القلق الطبيعي الذي يأتي ويُصاحب مواقف معينة واضطرابات القلق التي تتطلب دعمًا وعلاجًا متخصّصين. لا هروب من الشعور بالقلق بين الحين والآخر لكن إذا تسبب هذا الشعور في ضائقة أو ضعف كبير في حياتك، أو إذا كان يتعارض مع قدرتك على العمل، فمن الضروري طلب المساعدة من أخصائي الصحة النفسية. يمكن لهذا الأخير تقديم التقييم المناسب والتشخيص والاستراتيجيات الفعّالة لإدارة القلق والتعامل معه.

    طرق علاج نوبة القلق

    في حين أن نوبات القلق يمكن أن تكون عنيدة وغير مُتوقّعة في بعض الأحيان، الخير الجيد هو أنه يمكن إدارتها ومعالجتها بشكل فعّال. يتضمن علاج نوبات القلق عادةً مجموعة من استراتيجيات المساعدة الذاتية، وتغييرات في نمط الحياة، والتدخّلات المهنية.

    • ماذا تفعل أثناء نوبة القلق

    في المرّة القادمة التي تشعر فيها بنوبة هلع قادمة:

    • لا تُحاول محاربة النوبة.

    • ابق في مكانك وحافظ على سكونك قدر الإمكان.

    • تنفّس ببطء وعمق.

    • ذكّر نفسك أن النوبة ستمرّ.

    • ركّز على الأمور الإيجابية والسلميّة والمريحة.

    • تذكّر أنها لا تُمثلّ تهديدًا على حياتك.

    • ماذا تفعل لمنع حدوث نوبة أخرى

    فيما يلي بعض الخطوات التي يمكنك اتخاذها لإدارة وتقليل نوبات القلق:

  • تقنيات التنفس: يمكن أن تساعد ممارسة تمارين التنفس العميق على تهدئة استجابة الجسم للتوتر أثناء نوبة القلق. تدرّب على التنفس البطيء والعميق والسليم لتنظيم تنفسك والتحكم فيه أثناء شعورك بالذعر.

  • اليقظة والتأمل: يمكن أن يُعزّز الانخراط في ممارسات اليقظة والتأمل قدرتك على الاسترخاء ويساعدك على البقاء منتبها، مما يُخفّف من أعراض القلق ويجعل من التحكم في نوبة القلق أمرًا ممكنًا.

  • تحديد المُحفّزات والابتعاد عنها: انتبه للمواقف أو الأفكار أو حتى الأشخاص والأماكن التي تثير نوبات القلق لديك. يمكن أن يساعدك فهم محفّزاتك على تجنّبها أو التعامل معها بشكل أفضل.

  • تغيير نمط الحياة: اتّبع أسلوب حياة صحيًا يتضمن ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، واتّباع نظام غذائي متوازن، والنوم بقدر كافٍ، وتطبيق تقنيات إدارة الإجهاد.

  • تجنّب المنشطات: قلّل أو تجنّب تناول المنشطات مثل الكافيين والسكّريات، لأنّها يمكن أن تؤدي إلى تفاقم أعراض القلق. كذلك خذ في عين الاعتبار التوقّف عن التدخين وتعاطي أية مواد دخيلة على الجسم.

  • طالع كتب المساعدة الذاتيّة للقلق: اطلب من طبيبك أن يوصي بواحد وإن ليس ذلك ممكنا، فيمكن استبدلل الكتاب بمحتوى على الإنترنت أو برنامج تليفزيوني.

  • العلاجات البديلة والتكميلية: جرّب العلاجات التكميلية مثل التدليك والعلاج بالإبر أو بالروائح، وممارسة أنشطة مثل اليوجا والبيلاتيس، لمساعدتك على الاسترخاء والتواصل مع جسدك بشكل أفضل.

  • العلاج السلوكي المعرفي (CBT): العلاج السلوكي المعرفي هو نهج علاجي يُستخدم على نطاق واسع لاضطرابات القلق. يُساعد في تحديد أنماط التفكير السلبية وتحدّيها، واستبدالها بأنماط أكثر صحّة وإيجابية.

  • الأدوية والعقاقير: في بعض الحالات، قد يصف أخصائيو الرعاية الصحية الأدوية المُضادة للقلق للمساعدة في إدارة القلق الشديد أو نوبات القلق. كذلك قد تشمل الأدوية تلك المُضادة للاكتئاب أو التوتّر. وتستخدم هذه الأدوية عادة بالتزامن مع العلاج وبعد التشخيص.

  • شبكة الدعم: تواصل مع الأصدقاء أو العائلة أو مجموعات الدعم لمشاركة خبراتك وتلقّي الفهم والتشجيع. يمكنك كذلك التواصل عبر شبكة الإنترنت مع من يشاركونك نفس الحالة والتعلم منهم.

  • طلب المساعدة المهنية: إذا كانت نوبات القلق تؤثر بشكل كبير على نسق حياتك، فمن الضروري طلب المساعدة من أخصائي الصحة النفسية، مثل طبيب أو معالج نفسي. يمكن للأخصائيّين المؤهلين في الصحة النفسية تقديم خطط علاج شخصية ودعم بناءً على احتياجاتك الخاصة.

  • والأهم من كل ذلك هو أن تتذكر أن إدارة القلق هي عملية تدريجية تتطلب وقتًا وجهدًا، إضافة إلى واقع أنه لا يوجد نهج واحد يناسب الجميع. فكن صبورًا ومتسامحًا مع نفسك واحتفل حتى بالتحسينات والتطورات الصغيرة. من خلال الدعم والاستراتيجيات المناسبة، سيصبح بإمكانك التحكم بشكل أفضل في القلق وتقليل تواتر وشدة نوبات القلق.

    نوبة القلق هي قابلة للعلاج ويمكنك حتى الشفاء منها بشكل تام. لكن من الأفضل الحصول على المساعدة بأسرع ما يمكن، ذلك لأنه إذا لم تحصل على مساعدة طبية، فقد تتفاقم نوبة القلق ويصبح من الصعب جدًا التعامل معها. على سبيل المثال، أنت أكثر عرضة للإصابة بحالات صحيّة نفسية أخرى، مثل الخوف من الأماكن المكشوفة أو أنواع الرهاب الأخرى، أو تطوير مشكلة تتعلق بتعاطي الكحول أو المخدرات. كذلك قد تؤثر إصابتك بنوبة القلق على قدرتك على القيادة، ويتطلب القانون منك الإبلاغ عن أي حالة طبيّة قد تؤثّر على قدرتك على القيادة.

    من الضروري أن تتذكر أن طلب المساعدة والدعم من الأحباء أو أخصائي الرعاية الصحية يمكن أن يكون مفيدًا في إدارة القلق والتعامل معه. أنت لست وحدك، وهناك موارد متاحة لمساعدتك على التعامل مع هذه التجارب الصعبة. وتذكّر أن طلب المساعدة هو علامة على القوة والعناية بصحتك.